بـسـم الله والحـمـد لله والـصلاة والـسـلام عــلى رسـول الله، وبـعـد
الإمام أبو جعـفر الطحاوي رحمه الله في كتابه "العقيدة الطحاوية" بعد ما ذكر عن مسئلة الإسلام والإيمان والكفر دعا ربه فيقول:
اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتـنا على الإسلام حتى نلقاك به
يقول الشارح الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:
وقوله:" اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسّكنَا بالإسلام " وفي نُسخة " ثـبـتـنا على الإسلام حتى نلقاك به "- روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كِتَابِه الفاروقِ، بسنده عن أنس رضي الله عنه، قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «يا ولي الإسلامِ وأهله، مسّكني بالإسلام حتى ألقـاك عليه».
ومناسبة ختم الكلام المتـقـدم بهذا الدعاء ظاهرة. وبمثـل هذا الدعاء دعا يُوسف الصديق صلوات الله عليه، حيث قال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(1). وبه دَعَا السَّحَرَة الَّذِينَ كَانُوا أَوَّلَ مَؤمن بِمُوسَى صَلَوَاتُ الله على نَبِيِّنَا وعليه، حَيْثُ قَالُوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}(2).
ومن استـدل بهاتـين الآيـتـين على جواز تمني الموت فلا دليل له فيه، فإن الدعاء إنما هو بالموت على الإسلام، لا بمطلقِ الموت، ولا بالموت الآن، والفرق ظاهِرٌ.
(1) سورة يُوسُفَ آية 101
(2) سورة الْأَعْرَافِ آية 126
(2) سورة الْأَعْرَافِ آية 126
يقول الشارح الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ:
ثم دعا آخراً بقوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ) وهذه الجملة رُوِيَتْ في حديث لكن لا يصح، وهي دعاءٌ طيب.
ومعنى (وَلِيَّ الْإِسْلَامِ) يعني ناصر الإسلام؛ لأنَّ الولي هو الناصر، والله عزوجل وَعَدَ بنصر دينه قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾[الفتح:28]. وقال أيضاً عزوجل ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[غافر:51]، ونحو ذلك كقوله في آخر الصّافات ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171)إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ(172)وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ﴾[الصافات:171-173].
فقوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ) يعني اللهم يا ناصر الإسلام وأهله، فالله عزوجل وَعَدْ بنُصرة دينه ونصرة أهل الإسلام ووعده حق.
فنسأل الله عزوجل الذي وَعَدَ بنصر الإسلام ونصر أهل الإسلام أن يثبتنا على هذا الدين حتى نلقاه، وأن يرينا نَصْرَ دينه وإعجاز كلمته وإعلاء رايته إنه سبحانه على كل شيء قدير.
يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
هذا الدعاء ورد مرفوعا وهو مخرج في " الصحيحة " ( 1823 ) كما كنت ذكرت في " تخريج الشرح " لكن وقع هناك ( 1833 ) وهو خطأ مطبعي فاقتضى التصحيح .
يقول الشارح الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
هذا من أجمل كلام المصنف يرحمه الله!
إنه لما ذكر هذه المسائل العظيمة الخطيرة سأل الله التثبيت، ألا يضله الله مع أصحاب هذه الضلالات وأصحاب هذه المقالات الضالة، فهذا من الفقه والحكمة؛ أن الإنسان لا يغتر بعلمه، ويقول: أنا أعرف التوحيد وأعرف العقيدة، وليس عليّ خطر، هذا غرور بل عليه أن يخاف من سوء الخاتمة والضلال، يخاف أن ينخدع بأهل الضلال، كم من معتدل انحرف، خصوصاً إذا اشتدت الفتن، يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، ويبيع دينه بعرض من الدنيا، كما صح الحديث بذلك([1]).
(واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام) [إبراهيم:35] إبراهيم خاف على نفسه من عبادة الأصنام، مع أنه هو الذي كسّرها وحطّمها بيده، ولقي في ذلك العذاب والإهانة في سبيل الله عز وجل، ومع هذا يقول: (وأجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام)[إبرهيم:35] ولم يقل: أنا الآن نجوت، بل طلب من الله أن يجنبه وبنيه أن يعبدوا الأصنام، فالإنسان يخاف دائماً من ربه عز وجل، وكم من مهتد ضل، وكم من مستقيم انحرف، وكم من مؤمن كفر وارتد، وكم من ضال هداه الله، وكم من كافر أسلم، فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى.
([1]) فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا" أخرجه مسلم (رقم118).
([2]) فعن جابر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقلنا: يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بما جئت به؟ فقال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء". أخرجه الترمذي (رقم2145) وابن ماجه (رقم3834) والحاكم 1/525-526، 4/321 وصححه ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقد أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم (رقم2654).
No comments:
Post a Comment